الأمازيغية في العهد المريني
#الكفيف_الزرهوني... الشاعر الذي استعمل الأمازيغية للتودد إلى ملوك بني مرين
▪︎ عندما يتعلق الأمر بعصر بني مرين، تصبح المعلومات التي تخص وضع اللغة الأمازيغية في عهدهم شحيحة، ذلك أن عنايتهم بها كانت أقل بكثير من عناية الموحدين، كما أنه من المعروف أن المرينيين طبقوا سياسة ادعاء النسب العربي، عبر رفع أنسابهم إلى عدنان.
▪︎ بل أكثر من ذلك، فالمرينيون تبنوا النسب الشريف وكان بعضهم يتحجج بسلاسل أنساب يرفعها إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، غير أن هذه البروبغاندا لم تكن تلقي الكثير من القبول إلا نادرا، لأن العامة كانوا يعرفون أن بني مرين من زناتة.
▪︎ و رغم هذا الفشل النسبي في سياسة ادعاء النسب، لم يتوقف البلاط المريني عن الترويج لها، بسبب المعركة السياسية التي كان يخوضها، فقد كانوا يستعملون تلك السياسة ليحافظوا على مكانتهم في فاس، ذلك الوسط المدني المتحضر الذي يبغض البدو، فكانت هذه أنسب طريقة ليواجهوا تلك النظرة الدونية، خصوصا أنهم كانوا رعاة و جنود بسطاء قبل أن ينتزعوا الحكم من الموحدين.
▪︎ نجح المرينييون في آخر الأمر جزئيا في تلك السياسة، و تبنوا النسب العربي الشريف، لكنهم مع ذلك عجزوا عن محو آثار هويتهم الأمازيغية الزناتية، فعندما تعلق الأمر باللغات المستعملة في البلاط الملكي، كانت العربية هي لغة التوثيق و المراسلات، لكن كانت الأمازيغية تحتكر مجال التواصل اليومي و الشأن الديني.
▪︎ نعرف هذا من خلال شهادات معاصرة لبعض المؤرخين، فالشاطبي الغرناطي الذي عاش في القرن 14 يشهد أن الآذان كان في وقته لا يزال يرفع بالأمازيغية و يسميه "قيام تصاليت"، و كذا خطبة الجمعة التي كانت تلقى بالزناتية و كانت تثير غرابة الزوار من الشرق. [1]
▪︎ هناك إشارات أخرى غير هذه، فالشعراء المقربون من ملوك بني مرين كانوا قد اهتدوا إلى عادة فريدة للتقرب من الملوك، و هي استعمال الأمازيغية في قصائدهم و ذلك عبر المزاوجة بين ألفاظ عربية وأخرى أمازيغية بلهجة زناتة في البيت الشعري الواحد.
▪︎ في القرن 13 الميلادي يشهد ابن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة" أن الشاعر عبد العزيز بن عبد الواحد الملزوزي كان يخاطب السلاطين المرينيين بشعر يخلط فيه بين العربية والأمازيغية في أرجوزته، و يقول: "كان شاعراً مُكثراً ... جَسوراً على الأمراء، علِق بخدمة الملوك من آل عبد الحق وأبنائهم، ووقّف أشعاره عليهم، وأكثرَ النظْم في وقائعهم وحروبهم، وخلط الـمُعرّب باللسان الزناتي في مخاطباتهم". [2]
▪︎ و في القرن الموالي تم توثيق هذا الأسلوب مجددا بنفس الطريقة، فيظهر الشاعر عبد الله الكفيف الزرهوني في ملحمته "الملعبة" التي يروي فيها حملة عسكرية أبو الحسن المريني على بلاد المغرب الأدنى حوالي 1347م، والتي كان هدفها استنساخ المشروع الموحدي المنهار عبر توحيد شمال إفريقيا، فكان الكفيف الزرهوني يمزج في شعره بين الدارجة المغربية والزجل الأندلسي تتخللهما مفردات أمازيغية، وهذه بعض البيوت منه: [3]
ولْجْبَل الزان ولُوطا حرك
ما خْلاّ لا سْبع ولا غِيلاس [النمر]
حتى بالخيل ردها شعرا
ومن الواد الكبير سْقى إيسانْ [الخيل]
ما خْلاّ لا ذهب ولا درا
إلاّ حمل في ظْهور إيسردان [البغال]
وانهزموا وحرفوا الخيمات لورا
يحاموا بالسيف عن تيسدنان [النساء]
هذه العينات من بيوت ملحمة الزرهوني تكشف حضور الأمازيغية ليس فقط في الحياة السياسية كلغة تواصل في الديوان الملكي، و لغة رسمية في الشؤون الدينية بل كان لها حضور أيضا في الحياة الأدبية، و كان استعمالها للتقرب من بني مرين شائعا جدا.
المصادر:
[1] الشاطبي الغرناطي، الاعتصام، مطبوعات الحلبي، ج1، ص207.
[2] الملزوزي، نظم السلوك في الأنبياء والخلفاء والملوك، عبد الوهاب بنمنصور، 1963، المطبعة الملكية، الرباط.
[3] الكفيف الزرهوني، ملعبة الكفيف الزرهوني، محمد بن شريفة، 1987، الرباط، المطبعة الملكية، الأبيات: 114،116،142،221.
تعليقات
إرسال تعليق