الحدود الجغرافية لمنطقة سوس
تطور الحدود الجغرافية لسوس منذ القدم إلى القرن الثامن عشر :
كلمة " سوس " من المصطلحات التي لها حمولة تاريخية عميقة، حيث واكبت التأريخ المغربي، منذ بدايته إلى الآن. وعرفت تحولات في المكان وتغيرات من حيث الإسم، من السوس الأقصى إلى السوس الأدنى.
هذه التحولات ميزت مصطلح سوس عن باقي المصطلحات الجغرافية المغربية الأخرى.
* في الفترة القديمة، اهتم الجغرافيون القدامى بالسواحل المغربية منذ رحلة حانون الذي اعتبرها المؤرخين بمثابة شهادة ميلاد بداية التاريخ المغربي. وتركوا لنا معلومات نادرة عن القبائل، والمدن ، والانهار المغربية في العهد القديم
ويعتبر 23/79 ( Pline L' ancien ) و ( Ptolémée II° s ap .J.C) من أشهر الجغرافيين القدامى الذين تركوا لنا بعض المعلومات عن المنطقة الجنوبية. فقد أشار بلين، إلى استقرار أوتولول Autololes في ساحل موكادور (الصويرة)
أمام الجزر الأرجوانية Iles purpuraires ثم في منطقة سوس بين روسادير ( Rusaddir Agadir ) وواد سوس ( Quosenum ) ثم دفعوا بعيدا إلى جوار السود ( Aethiopas ).
نجد أن بلين، أشار إلى نهر سوس الذي سماه " Flumen Quosenum " هل يمكن القول أن كلمة قوسينوم Quosenum هي فقط تحريف بسيط للكلمة المحلية سوس ؟
ام أن كلمة سوس هي التي انحرفت عن الأولى ؟
إذا ألقينا نظرة على أغلب أسماء الأنهار الأخرى المغربية كما ذكرها بلين، نجدها لا تبتعد كثيرا من الناحية الصوتية عن الأسماء التي تحملها حاليا منها Molochath ملوية Lixus لكوس Sububus سبو Quosénus تانسيفت Masatat ماسة Darat درعة
كما أن أغلب أسماء المناطق التي توجد بها هذه الانهار أخذت من أسماء انهارها مما يؤكد بأن كلمة سوس بدورها قد تكون مشتقة من اسم النهر Quosemun وقد أشار مارمول ( ق 16) إلى ذلك بقوله :
" اتخذ إقليم سوس اسمه من نهر هو أكبر أنهار بلاد البربر في جهة الغرب .... "
واعتمادا على مصادر العصر الوسيط أشار ماسينيون Massignon إلى أن :
" اسم سوس مشتق من اسم نهر سوس ... "
وبخصوص قوسينوم Quosenum لم نجد في المصادر التي جاءت بعد الفترة القديمة، أية إشارة إلى هذه الكلمة باستثناء ما انفرد به ياقوت الحموي ( ق 12) إذ يقول :
" والسوس أيضا: بلد في المغرب كانت الروم تسميه قمونية ... "
هل لكلمة قوسينوم Quosenum علاقة ما مع " قمونية " الواردة عند ياقوت الحمري ؟
إن ندرة المصادر في هذا الباب تجعلنا نتحفظ في القول بوجود علاقة بين الكلمتين غير أنه من الممكن القول إن الحموي اعتمد على معطيات معينة لتأكيد قوله. وأن الشيء المؤكد عندنا هو أن الحموي يعرف معرفة جيدة بأن " للروم علاقة بسوس، وأن لهم اسما خاصا بهم لسوس وهو
" قمونية "
هذه المعطيات تسمح لنا بالقول بأن كلمة قمونية قد تكون تحريفا ل Quosenum الواردة عند بلين Pline
* في العصر الوسيط،
نجد أن المصادر العربية تشير إلى كلمة سوس بنوع من الإسهاب فقد أشار ذ. أفا عمر إلى أن أغلب نصوص أولائك المؤلفين حول سوس تتشابه وتنقل عن بعضها
فاليعقوبي ( ق 9 ) " يجعل سوس هو ما وراء جبل درن "
وعند ابن حوقل ( ق 9/10 ) جعل " السوس غرب سجلماسة إلى البحر "
أما البكري ( ق 11 ) فلم يشر إلى سوس في معجمه حيت قال :" السوس بضم أوله وبسين مهملة أيضا في آخره، وهو مدينة الأهواز في قديم الدهر وهي بالفارسية شوش أي جيد ... "
غير أنه أشار إليه في مكان آخر وحدده " سوس " بما وراء جبل درن لينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ الصحراء "
وفي نفس السياق، أعطى ابن عذاري المراكشي ( ق 11 ) لسوس مجالا أكثر اتساعا إذ يقول : " وإذا جزت سلا، وأخذت إلى ناحية الجنوب، تركت مغرب الشمس يمنة، وأخذت منها قافلا إلى القبلة، فتسمى تلك البلاد تامسنا ويقال لها أيضا بلاد السوس الأدنى وحدها إلى جبل درن، وإذا أجزت هذا الجبل فعن يمينك بلاد السوس الأقصى، ويقال لها أيضا بلاد ماسة ويتصل السوس الأقصى ببلاد الصحراء إلى بلاد السودان ... "
وفي القرن الثاني عشر،
يشير الإدريسي إلى السوس الأقصى قائلا :
" ومن أرض درعة إلى بلاد السوس الأقصى أربعة أيام، ومدينته هي تارودانت ... "
ويشير صاحب الإستبصار( ق 12/13 ) إلى أن سوس تقع خلف جبل درن " وخلفه درن بلاد السوس ومن بلاد السوس مدينة نول لمطة وهي آخر بلاد السوس ... "
أما ياقوت الحموي( ق 13 ) فإنه يجعل سوس تمتد حتى طنجة إذ يقول :
" والسوس أيضا: بلد بالمغرب، كانت الروم تسميه قمونية، وقيل : السوس بالمغرب كورة مدينتها طنجة وهناك السوس الأقصى: كورة أخرى مدينتها طرقلة، ومن السوس الأدنى إلى السوس الأقصى مسيرة شهرين، وبعده بحر الرمل وليس وراء ذاك شيء يعرف ... "
ونجد نفس التحديد تقريبا عند أبي حيان حيث يقول :
" والسوس عندهم ما ردت طنجة إلى تلمسان ثم إلى سجلماسة ثم إلى الصحراء وهو قسمان : السوس الأدنى والسوس الأقصى "
أما في القرن الرابع عشر،
أشار ابن خلدون إلى السوس الأقصى وحدد له مجالا، في ما وراء مراكش إلى القبلة ومصب درعة، وهو مجال لا يختلف عن تحديد عبدالواحد المراكشي إذ قال :
" فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة إلا بليدات صغار بسوس الأقصى "
من خلال نصوص هذه المصادر الوسيطية نستنتج أن مصطلح السوس كان يشمل المغرب تقريبا، من وراء طنجة إلى درعة، ومن غرب سجلماسة إلى البحر ، ومن تلمسان إلى سجلماسة.
وتشير كذلك هذه النصوص إلى السوس الأدنى والسوس الأقصى
فالسوس الأدنى يمتد من الشمال ( خلف طنجة وتامسنا ) إلى نواحي مراكش
أما السوس الأقصى فهو يمتد في ما وراء مراكش إلى مصب درعة
وتوصل أحد الباحثين إلى نفس الإستنتاج قائلا :
" كان اسم السوس يطلق في العصور الوسطى على جميع البلاد التي تمتد جنوب مراكش بين المحيط ونهر درعة، والقسم الشمالي يسمى غاليا بالسوس الأدنى والآخر بالسوس الأقصى "
هذا هو امتداد سوس في العصر الوسيط وسيتقلص في العصر الحديث ليشمل المنطقة الجنوبية وما وراء جبل درن
* أما في العصر الحديث ،
نجد أن أغلب النصوص تتجه إلى الإتفاق أكثر حول المصطلح، وتتجه نحو تحديد أكثر دقة ووضوحا.
ففي بداية القرن الخامس عشر، أصبح مصطلح سوس ينطبق فقط على ما سمي في القرن الماضي بالسوس الأقصى ويبدو أن مصطلح السوس الأدنى الذي كان يشمل شمال المغرب مع إدخال طنجة كعاصمة قد عوض بمصطلح الغرب " ولذلك فإن أغلب النصوص الحديثة، ستتحدث عن السوس الاقصى وأن السوس الأدنى سيختفي قبل أن يعود في القرنين السابع عشر والثامن عشر ليشمل فقط القسم الشمالي لسوس بين واد سوس إلى واد والغاس.
ويحدد الحسن الوزان ( ق 16) سوس فيما وراء جبل درن، ويقول : " ناحية سوس الواقعة وراء الأطلس إلى جهة الجنوب، المقابلة لبلاد حاحا أي في أقصى افريقيا، تبتدئ غربا من المحيط، وتنتهي جنوبا في رمال الصحراء وشمالا في الأطلس عند حدود حاحة، وشرقا عند نهر سوس الذي سميت به هذه الناحية ".
وفي نفس الفترة أي القرن السادس عشر
ألف ابراهيم بن علي الحساني ( ق 16) مؤلفا سماه " ديوان قبائل سوس " أشار فيه إلى سوس الأقصى بقوله :" هذا الكناش لأمير المؤمنين مولاي أحمد الذهبي نصره الله حين نزل لسوس الأقصى ... " وحدد فيه ضمنيا حدود سوس الأقصى حسب القبائل التي أحصاها الديوان، وهي تمتد " من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير إلى وادي درعة زمن رأس الواد المحيط الأطلسي" وهو تحديد لا يختلف كثيرا عن التحديد الذي وضعه الحسن الوزان ولاشك أن هذا التحديد هو الذي استمر طيلة القرنين السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر على الأقل، لدى الجغرافيين ولدى المخزن كذلك.
أما في القرن الثامن عشر،
فهنالك مصدر مهم أشار إلى سوس بشكل وضح فيه حدوده وأقسامه، وهو رحلة الوافد لصاحبه عبدالله بن ابراهيم التاسفتي (12/18) فهو يقول :
" وعدد ما في سوس الأقصى والأدنى والمغرب والفائجة إلى أرض الصحراء وبلاد الاندلس كله بل افريقيا كلها من الفراسخ ثلاثة آلاف فرسخ طولا على ما قاله صاحب الجغرافية. كما عد ذلك في الجزء السادس منها قائلا: وبين بلاد نول من سوس إلى أرض جناوة مسيرة ثمانين يوما وعرض سوس من جبل درن في الشمال إلى مدينة نول في الجنوب ثمانون فرسخا ومن الأيام ثمانية أيام "
ويقدم لنا هذا المؤلف نصا آخر يبين فيه حدود قسمي سوس : السوس الأقصى والسوس الأدنى فيقول :" .. وبلاد سوس عندهم على قسمين : سوس الأقصى والسوس الأدنى، فالأقصى من بلاد ماسة قرب تارودانت، وهو على يمين القبلة من جبل درن إلى أن يتصل بأرض الصحراء، والأدنى من وادي العبيد قرب مراكش إلى ماسة".
وهو ما حدده المؤرخ السوسي المخضرم سيدي محمد الإكراري ( ق 19/20) بقوله :" سوس الأقصى من وادي أولغاس إلى الساقية الحمراء "
أما السوس الأدنى فتجد أنه يتأرجح بين الجزء الشمالي لسوس مع جزء آخر شمال جبل درن، ويمكن تفسير ذلك بالتقسيم الإداري الذي نجده عند المخزن الإسماعيلي في النصف الثاني من القرن السابع عشر والنصف الأول من القرن الثامن عشر، حيث نجد أن سوس ينضوي نحن إقليم مراكش الذي يشمل : مراكش، حاحا ، كلاوة، زانبي، وطاطا.
هذا رغم أن الزياني يشير إلى إقليم سوس قائلا:
" ... وفي عام عشرة ومائة وألف 1110 ولى المولى إسماعيل على إقليم سوس ولده محمد العالم "
ونجد أن حدوده قد اتضحت عند محمد العالم ( ق 18) وأنها تشمل المناطق التي توجد جنوب جبل درن. يقول في رسالة أرسلها إلى القاضي محمد أكزوغار بإداولتيت، وهي مؤرخة في مطلع المحرم سنة ( 1700/1112) ". فإن الأمر على ما تقرر عندكم من أن سوسا قد استقلت بنفسها ولم يبق لها البصر إلى الغرب أصلا...".
وفي عهد السلطان محمد بن عبدالله( 1757/1790) ، أورد (1786) Host سوس ضمن إقليم مراكش إلى جانب حاحا، وكزولة، والرحامنة، ودكالة، وعبدة، وتادلة، والزرارة ( في الصحراء ) والشياضمة.
ونفس الشيء نجده عند Chénier L حيث يقول :
" تتكون المملكة المغربية حاليا من إقليم مراكش وهي الصويرة والرحامنة ودكالة وعبدة وشياضمة وخا وسوس ودرعة .
وهناك مؤلفون آخرون يضيفون أسماء أخرى، لكنني اعتمدت على ما يتداوله السكان الذين يعرفون وطنهم أكثر من غيرهم.
ويحدد شوني Chénier .L. سوس قائلا " ... بعد إقليم حاحا يأتي إقليم سوس الذي يحده في الشرق إقليم درعة وجزء من جزولة والمحيط في مغرب الشمس وبلاد نون في الجنوب. وفي مكان آخر يقسم إقليم سوس إلى سوس وسوس الأقصى( خريطة ماسينيون ص 199)
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أصبحت الوثائق الرسمية والنصوص تتحدث عن سوس وراء جبل درن، إلى أبواب الصحراء، بقسميه : الأدنى الذي يمتد من جبل درن ورأس الواد، إلى واد والغاس، والأقصى الذي يمتد من واد والغاس إلى الصحراء. ونجد هذا التمييز بين قسمي سوس حتى في المراسلات المخزنية، الشيء الذي لم يكن معهودا في ما قبل. ففي مراسلة المولى اليزيد المؤرخة في ديسمبر 1205/1790 يقول : " من عبدالله أمير المؤمنين محمد المهدي اليزيد الحسني كان الله له آمين سلطان فاس ومراكش وتافيلالت ودرعة وسوس الأقصى وسوس الأدنى وسائر مماليك المغرب "
وعندما ستظهر إمارة تازروالت من جديد سنة 1810 سيتكرس هذا التقسيم، حيث سيكون السوس الأدنى قسما تابعا المخزن بينما سيكون السوس الأقصى تابعا لسيدي هاشم. وسيستمر هذا التقسيم فيما بعد.
ففي رسالة السلطان المولى عبدالعزيز مؤرخة ب 10 صفر 1321/1903 خاطب المخزن أعيان جنوب أولغاس لقواد سوس الأقصى. وفي وثيقة أخرى جاء فيها:" وبعد فقد اتفق عمال سوس الأقصى كافة، عربها وعجمها، من حد وادي نول إلى وادي والغاس على... ".
نخلص إلى القول أن مفهوم سوس قد انتقل من الدلالة على مجال واسع، يمتد حتى طنجة في العصر الوسيط، إلى تامسنا وشمال جبل درن، في القرن الخامس عشر، إلى ما وراء جبل درن حتى الصحراء، في القرن السادس عشر والسابع عشر، ثم انقسم إلى قسمين: السوس الأدنى والسوس الأقصى، ليشمل في القرن الثامن عشر المجال الذي أشرنا إليه سابقا، وهو المجال الذي تشكله هذه الدراسة التي نحن بصددها : سوس والمخزن في القرن الثامن عشر.
مرجع المخزن وسوس ( 1672_1822 ) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة
تعليقات
إرسال تعليق