سوس او بلاد جزولة


وصف المؤرخون في العصور الإسلامية موقع سوس ببلاد جزولة فأعطوا بذلك للرقعة الجغرافية بعدا بشريا، بمعنى أن سوس هو موطن جزولة . ولكن جل الجغرافيين والمؤرخين الذين كتبوا عن جهة سوس تقاربت كتابتهم حول تحديد المنطقة فهذا عبد الواحد المراكشي يحدد بلاد سوس بعد الحديث عن مراكش فيقول:«فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به، وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة ، إلا بليدات صغار بسوس الأقصى فمنها مدينة صغيرة تسمى تارودانت وهي حاضرة سوس وإليها يجتمع أهله، ومدينة أيضا صغيرة تدعى زجندر وهي على معدن الفضة يسكنها الذين يستخرجون ما في ذلك المعدن وفي بلاد جزولة مدينة هي حاضرتهم أيضا تسمى الكست. وفي بلاد لمطة مدينة أخرى هي أيضا لمطة فهده المدن وراء مراكش، فأما تارودانت وزنجدر فدخلتهما وعرفتها، ولم أزل أعرف السفار من التجار وغيرهم وخاصة إلى مدينة المعدن المعروفة بزجندر، وأما مدينة جزولة ومدينة لمطة فلا يسافر إليهما إلا أهلهما خاصة»
فالمدن الصغرى التي ذكرها المراكشي من تارودانت إلى لمطة هي المعروفة حتى اليوم بسوس لأنه قال” بليدات صغار بسوس الأقصى فاليعقوبي في القرن التاسع الميلادي يجعل السوس الأقصى مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة وهو يحدد سوس:”سوس مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة: مما يفيد أن هاتين المدينتين كانتا من أهم المدن السوسية.قلت: أما تامدولت فلم يبقى لها وجود اليوم وأما ماسة فما زالت تتسع. وسرعان ما يوسع اليعقوبي رؤيته فقال:«وسوس هو ما وراء جبال درن أي ما وراء الأطلس الكبير، وينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ المنطقة الصحراوية»
وهذا يشبه نظرة البكري في القرن11م الذي يحدد سوس بما وراء درن لينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ الصحراء» . ونجد أن ابن خلدون يحدد السوس الأقصى بما وراء مراكش، وفيه تارودانت و*إفران* وينتهي إلى القبلة عند مصب نهر درعة ويخترقه نهر سوس إلى البحر. وهذا التحديد هو الشائع في العهد المريني كمنطقة لجباية الضرائب حيث قسم المرينيون المغرب إلى خمسة أقاليم لجمع الضرائب. وهذا التحديد هو الذي ساد في العهد السعدي فهناك مصدران يؤكدان هذا المعنى “الأول” وصف إفريقيا حيث قال: «سأتعرض الآن لناحية سوس الواقعة وراء الأطلس إلى جهة الجنوب المقابلة لبلاد حاحة. يبتدئ غربا من المحيط، وينتهي جنوبا في رمال الصحراء، وشمالا في الأطلس، وشرقا عند منابع نهر سوس الذي سميت به هذه الناحية». أما المصدر الثاني: سجل جمع الضرائب لأحمد المنصور الذهبي المعروف بـ”ديوان قبائل سوس”، وفيه أسماء قبائل سوس المعروفة لهذا العهد. اسم “سوس” ظل يطلق على المنطقة التي حددتها هذه المصادر التي أوردناها منذ بداية العهد العلوي حتى الآن، وهو ما خلف الأطلس الكبير جنوبا إلى الصحراء ومن المحيط الأطلسي إلى وادي درعة.
وفي سوس العالمة لصاحبه محمد المختار السوسي يعرف سوس:«نعني بسوس في كل أعمالنا التاريخية في هذا الكتاب وغيره ما يقع من سفوح درن الجنوبية إلى حدود الصحراء من وادي نول وقبائله من تكنة والركائبات وما إليهما إلى حدود طاطة وسكتانة
ونتساءل هل لفظة “سوس” و”جزولة” و”المصامدة” يقصد بها المنطقة نفسها؟ فنجد المختار السوسي يأخذ بهذا التحديد وسماه “بلاد جزولة” وسمى كتابه “خلال جزولة” فجاءت جزولة في كتابه مطابقة لحدود “سوس"
وعندما نبحث عن حدود هذا الموطن في التاريخ القديم، فنجد المؤرخين الرومان الذين تحدثوا عن القبائل الأمازيغية القديمة، يذكرون أن موقع جيتولة: (جزولة) يمتد في شمال إفريقيا من المحيط الأطلسي إلى أواسط الجزائر الحالية، منحصرا بين المواقع التي يحتلها الرومان شمالا إلى أقاليم إثيوبيا جنوبا.
أما عند الأوروبيين فإن منطقة سوس تعتبر أرضا غامضة. ولا يكاد يعرف عنها سوى مدنها الساحلية ولا تحتوي الخرائط التي وضعها الأوروبيين حتى بداية القرن 19 إلا على خطوط تشير إلى بعض الطرق والمسالك وقد استمر هذا الغموض إلى بداية الحماية. وما يمكن استنتاجه من هذه التحديدات المختلفة أن اسم سوس استعمل في أول الأمر للدلالة على رقعة جغرافية واسعة تمتد من تلمسان إلى المحيط الأطلانتكي ثم أصبح مجال هذه الرقعة يتقلص شيئا فشيئا فانقسم إلى قسمين أدنى وأقصى، ثم اختفت تدريجيا عبارة أدنى وأقصى، وبقي سوس دالا على الرقعة التي يطل عليها القادم من الشمال عندما ينحدر من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير. والذي يمكن أن نستخلصه أن منطقة سوس يكتنفه الغموض، لأن الدول المتعاقبة على الحكم تغير استراتيجيتها التي تخضع دائما للتقسيمات الإدارية والعسكرية والاقتصادية من حين لآخر حسب الظروف والأحوال.
ويحد سهل سوس من الشمال جبال الأطلس الكبير، وجنوبا يحده الأطلس الصغير بجباله الغابرة في القدم ويطل على الواجهة الأطلسية بسهل منفتح
كما يعرف سهل سوس تدرجا في الارتفاع من الشرق نحو المحيط، كما يعبر السهل محور مائي مهم استمد اسمه من المنطقة وهو واد سوس الذي يستمد مياهه من السفوح الجنوبية والشمالية للأطلسين الكبير والصغير وحسب مارمول كربخال في كتابه إفريقيا: «واد سوس اتخذ إقليم سوس اسمه من نهر وهو أكبر أنهار بلاد البربر في جهة الغرب، ويدعي بعضهم أنه هو الجزيرة التي كان بها قصر آنطي وحدائق الهسبيرند، ويبدو مع ذلك أنه هو أونة بطليموس التي يجعلها في الدرجة الثامنة طولا، والثامنة والعشرين وثلاثين دقيقة عرضا، يخرج هذا النهر من الأطلس الكبير، بين هذا الإقليم وإقليم حاحا، ثم يخترق سهول سوس متجها نحو الجنوب إلى أن يصب في المحيط قرب كرسطن، ويسقي أكثر البلاد خصبا وسكانا في تلك المنطقة، ويتخذ منه السكان جداول يسقون بها حقول قصب السكر، ويفيض في الشتاء حتى لا يعبر من أي مكان، إلا أنه في الصيف يمكن عبوره من كل جهة»


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من هم الجيتول

قبائل إمجاض

كليوباترا سيليني زوجة يوبا الثاني

شدارات من التاريخ السياسي لجزر الكناري

معركة بقدورة : إنهزام جيش العرب أمام الأمازيغ

تمرد قبائل إحاحان على السلطة المخزنية