معركة بقدورة : إنهزام جيش العرب أمام الأمازيغ
معركة بقدورة أو معركة الأشراف
وقعت سنة 739/740-743 ميلادية (122-125 هجرية حسب التقويم الإسلامي) تمت في عصر الخلافة الأموية تحت حكم هشام بن عبد الملك ومثلت أول استقلال ناجح عن الخلافة الأموية (الحاكمة من دمشق). بدأت ثورة الأمازيغ ضد الخلافة الأموي من مدينة طنجة (المغرب) سنة 740 وتمت قيادتها بشكل رئيسي من طرف ميسرة المطغري. انتشرت الثورة بسرعة إلى باقي مناطق شمال أفريقيا
وبعدما عزل أمازيغ المغرب ميسرة المدغري، بايعوا القائد الأمازيغي خالد بن حميد الزناتي قائدا وسلطانا لهم ثم توجهوا مباشرة الى تلمسان في الجزائر التي تحصن بها العرب مع قائدهم الأموي خالد بن حبيب.
التقى قائد الأمويين خالد بن حبيب بالأمازيغ القادمين من المغرب في وادي الشلف بغرب الجزائر سنة 740 ميلادية فكان بينهم قتال شديد فبينما هم كذلك إذ غشيهم خالد بن حميد الزناتي من خلفهم بعسكر عظيم، فتكاثرت عليه الأمازيغ؛ فانهزم العرب و كره خالد بن حبيب أن يهرب؛ فألقى بنفسه هو وأصحابه إلى الموت أنفة من الفرار. فقُتل بن حبيب ومن معه، حتى لم يبق من أصحابه رجل واحد. فقُتل في تلك الوقعة 20 ألفا من حماة العرب، وفرسانها، وكماتها، وأبطالها؛ فسميت الغزوة غزوة الأشراف لكثرة الشرفاء الذين سقطوا فيها؛ فانتفضت البلاد. وبلغ أهل الأندلس ثورة الأمازيغ في المغرب؛ فقام أمازيغ الأندلس على أميرهم فعزلوه و ولوا عبد الملك بن فطن مكانه.
فاختلت الأمور على بن الحبحاب والي الأمويين في القيروان؛ فاجتمع عليه سكان القيروان وعزلوه. ثم وصل نبأ الثورة الأمازيغية لدار الخلافة بدمشق، و استبد الغضب بأمير (المؤمنين) هشام بن عبد الملك الذي قال: ( و الله لأغضبن لهم غضبة عربية، و لأبعثن إليهم جيشا أوله عندهم، وآخره عندي، ثم لا تركت حصن أمازيغي إلا جعلت إلى جانبه خيمة قيسي أو تميمي.) ومن خلال القول الفصيح يتضح أن الغضبة (عربية)، وثانيها أن أسلوب (القوة) هو السمة الأبرز، وثالثها أن الغرض هو نهب خيرات المغرب وسبي نسائه.
تم عزل ابن الحبحاب بإرادة أهالي القيروان في تونس، و استبدل بوال جديد أرسله الخليفة على جناح السرعة خصيصا لإخماد الثورة، بجيش شامي قوامه 30 ألفا، دعم أثناء المسير بجيوش أخرى، تحت قيادة كلثوم بن عياض و مساعده بلج بن بشر. و بوصولهم إلى القيروان أساء بلج بن بشر لأهالي تونس و القيروان بكلام سفيه، الأمر الذي أدى إلى تنافر وتدابر القوم لولا الإعتذارات التي قدمها الوالي كلثوم لحبيب بن أبي عبدة وجنده، و اجتمع للعرب جيش تعداده 70 ألفا، 30 الآف منهم من صلب بني أمية، 40 ألفا من سائر العرب.
وفد العرب للإنتقام حسب ما يبدو من مقولة الخليفة، وكاد الإختلاف أن يدب بين الجند العربي الوافد و المقيم، وكان بلج بن بشر سفيها شرسا في تعاملاته وأوامره، وكاد أن يشعل حربا بين العرب أنفسهم لأسباب ينأى المقام عن ذكرها، وهي أمور كررها وأجترها بنفاق و نرجسية عند عبوره مضيق طارق في عدوة الأندلس .
التقى الجمعان في شمال غرب الجزائر شهر أكتوبر سنة 741 ميلادية، قرب بلدة الشلف. وحاول بلج بن بشر مهاجمة الأمازيغ ليلا لمباغتتهم و الإيقاع بهم، فخرجوا له فهزموه، تقدم الجيش الأمازيغي المتكون من البورغواطيين والمكناسيين بقيادة خالد بن حميد الزناتي وبن سالم الهواري، فوقعت معركة حامية، تحت إشراف الوالي الأموي كلثوم بن عياض فوق دبدبانه، وتلاحم الجيشان، و نشبت الخيلُ الخيلَ، وكثر القتل بين الفريقين، و انكشف خيل العرب، و التف الرجال بالرجال، فتناثر الغبار من وقع التصادم، و مني جيوش العرب بهزيمة رهيبة سقط فيها نحو 40 ألفا من خيرة جندهم و عدد كبير من أشراف العرب و حماتها و أبطالها، منهم الوالي كلثوم بن عياض، و حبيب بن عبيدة، و سليمان بن أبي المهاجر و غيرهم، وتذكر المراجع والمصادر المعركة باسم معركة بقدورة، و هرب الجيش العربي المتبقي من الميدان، فكانت وجهة أهل القيروان ومصر نحو تونس وأهل الشام نحو الأندلس.
تعد هزيمة العرب في معركة بقدورة عام 741 ميلادية الضربة القاصمة للحكم الأموي في المغرب و غرب الجزائر (تنس، تيارت، تلمسان) الذي ضم الى المغرب. ومثلت أول استقلال للمغرب عن المشرق. ومنها، انبثقت الدول الأمازيغية الإسلامية الأولى خارج الخلافة التي أسسها أتباع ميسرة المدغري مثل مملكة بورغواطة أسسها القائد الأمازيغي طريف بن مالك عام 744 ميلادية ودامت أربعة قرون من الزمن و مملكة تلمسان أسسها أبو قرة اليفريني سنة 742 ميلادية و إمارة مكناسة (أوربة) في وليلي وسط المغرب ومملكة مدرادة في شرق المغرب. و يتم الإشارة إلى عام 740 كبداية للاستقلال المغربي، بما أن المغرب الأقصى لم يرجع أبدا ليكون تحت حكم أي خلافة شرقية وبالأخص الدولة الأموية أو أي قوة أجنبية أخرى إلى غاية القرن العشرين.
انتشر خبر مقتل أشراف إفريقية (أرستقراطية) في أوساط المجتمع كصاعقة مما ألقى بضلاله على جيش ابن المغيرة في تلمسان و الذي دب الخوف فيه . نتيجة لذلك أخذ الجنود بقتل رجال الدين الصفريون و الذين كانوا موجودين بكثرة في المدينة مما أثار غضب السكان و إحداث فوضى. وصلت حملة سيسيليا متأخرة و التي كانت يجب عليها منع حدوث هذه المجزرة ولكن عند إدراكهم ما جرى غادروا إلى تلمسان ليجدوا المدينة في نفس الوضع. نتيجة لذلك جمع ابن أبي عبيده ما بقي من جيش إفريقيا قرب تلمسان و طلب مساعدة القيروان و التي أرسلت الطلب إلى دمشق. عند بلوغ خبر مقتل الأشراف للخليفة هشام ابن عبد الملك صرخ قائلا:
- "والله لأغضبن عليهم غضب العربي و أرسل جيش تكون بدايته عندهم و نهايته عندي" و في عام 741 عين الخليفة الأموي كلثوم ابن إياد القسي ليكون بدل حاكم القيروان عبيد الله. تم إرسال كلثوم مع جيش جديد مكون من جند الشرق قوامه 30,000 مقاتل والذي قاد إلى معركة بغدورة (الأشراف) في نهاية عام 741.
.
تعليقات
إرسال تعليق