تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية

تُعد العلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية نموذجًا فريدًا للشراكات الدولية، حيث يمتد تاريخها إلى ما قبل نشأة الولايات المتحدة كدولة ذات سيادة معترف بها عالمياً. إنها علاقة مؤسسة على مبدأ الاعتراف المتبادل والصداقة الدائمة، وتستمد قوتها من سجل دبلوماسي هو الأقدم في تاريخ الولايات المتحدة. الفصل الأول: ريادة الاعتراف التاريخي (1777) تمثل فترة الثورة الأمريكية اللحظة التأسيسية للعلاقة المغربية الأمريكية، حيث كان المغرب هو البادئ بالاعتراف بالكيان الجديد. إعلان السلطان محمد الثالث في عام 1777، أصدر السلطان محمد الثالث بن عبد الله، حاكم الإيالة الشريفة (المملكة المغربية)، قراراً تاريخياً من مدينة مكناس. لم يكن هذا القرار مجرد اعتراف سياسي، بل كان مرسوماً سلطانيًا يقضي بـ فتح الموانئ المغربية أمام السفن التجارية التابعة لـ "الولايات المتحدة الأمريكية" الفتية. جاء هذا الاعتراف في وقت حرج كانت فيه الولايات المتحدة لا تزال تخوض حرباً ضارية ضد الإمبراطورية البريطانية، القوة العظمى آنذاك. وقد كان هذا القرار يحمل دلالات عميقة: * الاعتراف بالسيادة: كان بمثابة اعتراف دولي رسمي وقاطع باستقلال المستعمرات الأمريكية، متجاهلاً النفوذ البريطاني. * ضمان الملاحة: حمى القرار السفن الأمريكية من القرصنة في مياه البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، مانحاً إياها حصانة الملاحة كأي دولة صديقة. * المراسلات الدبلوماسية: تبع هذا الإعلان مراسلات مباشرة بين البلاط السلطاني والكونغرس الأمريكي عبر المفوضين الأمريكيين في أوروبا، بمن فيهم بنجامين فرانكلين. تعيين القنصل الأمريكي الأول تعزز هذا الاعتراف بتعيين السلطان المغربي لـ أتيان دو ديبير كاي كأول قنصل للولايات المتحدة في المغرب عام 1779، أي قبل سنوات من انتهاء حرب الاستقلال الأمريكية وتوقيع معاهدة باريس (1783). كان هذا التعيين دليلاً على أن المغرب لم ينتظر النتيجة النهائية للحرب، بل آمن منذ البداية بأحقية الدولة الجديدة. الفصل الثاني: معاهدة الصداقة الدائمة (1786-1787) بعد انتهاء حرب الاستقلال الأمريكية، حرص القادة الأمريكيون على إضفاء طابع رسمي ودائم على هذه الصداقة التاريخية. المعاهدة الأطول عمراً في عام 1786، تم التوقيع على معاهدة السلام والصداقة بين السلطان محمد الثالث بن عبد الله والولايات المتحدة، ممثلة في المفوضين الأمريكيين توماس جيفرسون وجون آدامز. صُودق على المعاهدة من قبل الكونغرس الأمريكي عام 1787، وبذلك أصبحت هذه الاتفاقية: * أقدم معاهدة أمريكية لم ينقطع العمل بها حتى يومنا هذا. * تم إعادة التفاوض حول المعاهدة وتجديدها في عام 1836، لتؤكد على استمرارية الصداقة بين الأجيال المتعاقبة في البلدين. وكمَعْلمٍ تاريخي حي لهذه العلاقة، يحتضن متحف مفوضية طنجة الأمريكية (Tangier American Legation Museum) أقدم بعثة دبلوماسية أمريكية خارج الولايات المتحدة، مُشيّدة عام 1821، وهو رمز آخر لعراقة هذه الشراكة.
الفصل الثالث: الشراكة الاستراتيجية في العصر الحديث انتقلت العلاقات الثنائية في القرنين العشرين والحادي والعشرين من الصداقة الكلاسيكية إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة: * حليف رئيسي من خارج الناتو: يُصنف المغرب كـ "حليف رئيسي من خارج حلف الناتو" (Major Non-NATO Ally) منذ عام 2004، مما يتيح تعاوناً واسعاً في المجال العسكري والأمني، بما في ذلك استضافة المناورات المشتركة الكبرى مثل "الأسد الإفريقي". * اتفاقية التجارة الحرة: تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين في عام 2004 وبدأ العمل بها في 2006، مما عزز التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة بشكل كبير. * دعم وحدة المغرب الترابية: في خطوة تاريخية، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية (الصحراء الغربية) في ديسمبر 2020، ودعمت خطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الأساس لحل سياسي واقعي وموثوق. ختاماً، تبقى العلاقات المغربية الأمريكية مثالاً للشراكات التي صمدت أمام اختبار الزمن، حيث بُنيت على أسس متينة من الثقة المتبادلة والاعتراف بالجميل التاريخي، وتستمر في التطور لخدمة المصالح المشتركة في تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي والدولي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوس او بلاد جزولة

من هم الجيتول

قبائل إمجاض

معركة بقدورة : إنهزام جيش العرب أمام الأمازيغ

كليوباترا سيليني زوجة يوبا الثاني

شدارات من التاريخ السياسي لجزر الكناري

الحدود الجغرافية لمنطقة سوس

تمرد قبائل إحاحان على السلطة المخزنية