زحف الربيع الأمازيغي
تاريخنا تاريخ المقاومات، هو تاريخ الدفاع المستمر، تاريخ التصدي للغزوات وللهجومات المتعاقبة...لكن للاسف تنتهي المعارك ضد مصالح الامازيغ وضربا في حريتهم واستقلالهم....حتى بعض الانتصارات القليلة المحققة تسرق منهم إما تسرقها روما او قرطاج او غيرها ..آخر الانتصارات المسروقة هي زحف الامازيغ على الاندلس بزعامة قائد سموه طارقا حيث ألحق عليه موسى ابن نصير وافسد له انتصاره وقتله وسرق بعد أن نصب نفسه فاتحا... وكتبوا له خطابا كاذبا ونسبوه لشخصية خرافية غير هي شخصية الامازيغي الحقيقية ...
حتمية الجغرافيا وطنت الشعب الامازيغي على رقعة جغرافية فريدة ولكنها حارقة، متنوعة وغنية وجميلة... تسيل لعاب الشعوب الجائعة الغازية التي تبحث عن المجد والغطرسة عن طريق الاستحواذ والاستغلال والاستعباد...مستعملة خطابات دينية تقود باسمها الحروب والغزوات واغتصاب الارض برسائل من السماء ....
جنوب بحر الابيض المتوسط...الضفة الجنوبية للبحر والشمالية لقارة اسمها افريقيا. تقديريا من شرق مصب نهر النيل في مصر إلى مضيق جبل طارق... ساحل طويل وممتد يقطن على ضفافه الشعب الامازيغي...والابيض المتوسط يسميه الرومان بحر المعارك لانه يشكل ساحة لحروبهم الكثيرة والاسطورية ...
وفي الغرب يمتد محيط كبير جدا يطلق عليه العرب بحر الظلمات، المحيط الاطلسي من طنجة الى مصب نهر السنغال وهو المجال الجغرافي العريض ايضا الذي يسكنه الامازيغ سواء على جزره وخاصة جزر الارخبيل الكناري او على ضفافه الانهار العظيمة التي تصب فيه...وفي الساحل الجنوبي لهذا القطر الامازيغي تنتشر رمال الصحراء الكبرى العظيمة من الماء إلى الماء ...من ماء الاطلسي غربا إلى ماء النيل شرقا..وهذه الصحراء كما يعلم الجميع هي مهد الحضارة والبشرية فيها ترك الامازيغ أعظم وأفضل وأحسن أثر على حضارتهم وحياتهم القديمة وهو نقش حروف تيفناغ على الحجر والصخر في براري قاحلة وسط صحاري مجهولة كما أنهم يعلمون ما ستتعرض له لغتهم وحضارتهم من بطش وغزو واقبار..واختاروا حفظها هناك وسط تلك الادغال الصحراوية المخيفة ....
وبين البحر والصحراء تنبسط الغابات والسهول الخصبة والاراضي الفلاحية الوفيرة الاشجار والانهار والتمار بكل أنواعها واصنافها...وهذا الاراضي التي تشبه كثيرا أوصاف الجنة والفردوس في الكتب السماوية ...هي التي جعلت الاميرة الامازيغية المقاومة تيهيا تحرقها في دفاعها عن حرية واستقلالية شمال افريقيا أمام غزوات العرب في جبال الأوراس فيما يسمى بسياسة الاراضي المحروقة، وكأنها تقول في نفسها هذه الجبال التي تسيل لعابكم وتستهويكم وتحسدوننا عليها... سأحرقها أمام أعينكم لعلكم تعودون أدراجكم...ولعلهم فعلوا ذلك...
مشاكل الامازيغ وصلب همومهم هي الأرض ...إنهم يدفعون ثمن أرضهم...هم ضحايا الموقع الجغرافي الذي توجد عليه هذه الأرض الحامل لهويتهم والمعبر عن ثقافتهم ...ضحايا هضم حقوق ملكيتهم للارض...تصارعوا مع كل شعوب العالم فوق ارضهم من وندال وقرطاجيين وفنيقيين والرومان والعرب وفرنسيين وانكليز والمان والاسبان والاتراك ...
شمال افريقيا هي الضحية رقم واحد للسياسة الاستعمارية الخطيرة التي عرفها العالم في القرنيين الماضيين...القوات الاستعمارية الاوربية التي استهدفت افريقيا واسيا وامريكا الجنوبية كلها بدأت واستعمرت اجزاء مهمة في شمال افريقيا ..وكأنها تشكل حلبة التجريب ومختبرا تجرب فيها البلدان الغازية قواتها وخبراتها العسكرية...
تاريخ الامازيغ تاريخ منهك ...أنهكته واضعفته هذه المقاومة المستمرة ...ما أن يخرجوا في حرب حتى يدخلون في أخرى..
في هذا العالم المعاصر الذي انقلبت فيه الموازين والمقاييس...معارك الامازيغ هي معارك ثقافية وسياسية تتركز على الاساس في الدفاع عن الهوية الامازيغية في شموليتها..ضد دول قطرية غرستها فرنسا الاستعمارية في شمال افريقيا لتضمن مصالحها بعد المرحلة الكولونيالية...
وتعتبر تافسوت في منطقة القبايل سنة 1980 بمثابة " ملحمة العودة" هي أم المعارك في التاريخ الامازيغي الطويل...قمنا أعلاه بايستعاد تاريخي سريع لفهم عميق لمعاني تافسوت ايمازغن ...انه حدث تاريخي كبير تتجلى قيمته في اعلان مرحلة جديدة في استئناف المقاومة بنفس جديد ..نفس سلمي حداثي علماني مؤسس ومؤطر بالبحث العلمي ..لان تافسوت ايمازيغن انطلقت شرارته من جامعة تيزي وزو من قبل عالم وعارف أمازيغي متمكن الشهيد مولود معمري ...
في غفلة منهم حين كانوا يدرسون في الجامعات المغاربية لقرون عديدة الشعر العربي الجاهلي حتى طمسوا عقول الشباب المغاربي ...خرج لهم المفكر المعمري بمحاضرة حول الشعر الامازيغي القديم في منطقة القبايل ..واهتزت عروش الجيوش الحاكمة في الجزائر وقمعت المحاضرة ومنعتها في 20 افريل سنة 1980 ...لكنهم ولغبائهم اعلنوا بداية الزحف الذي لن ينتهي ولن يتوقف لا في الزمان ولا في المكان...إنه زحف الربيع الامازيغي فمن يقدر على وقف زحف الربيع...
كيف كان بنائهم الايديولوجي العروبي ضعيفا وسخيفا ...حتى تمكنت محاضرة في الشعر على اسقاطه وهدمه وتفكيكه قبل بداية المحاضرة...نظام عسكري اشتراكي عروبي قوي يلجأ إلى منع محاضرة في الشعر الامازيغي من قبل استاذ جامعي...
قيمة الربيع الامازيغي هي أنه انطلق من الجامعة...وفرادته هي أن الانظمة العسكرية الشمولية المبنية على العروبة تخاف من الشعر الامازيغي...ولا غرابة أن زعيم النهضة والثورة الامازيغية في العالم حاليا هو شاعر وفنان من نفس المنطقة تيزي وزو والذي اغتالته قوات النظام الجزائري وقوات الظلام في الجزائر في سنة 1998 وهو الشهيد لونيس المعتوب المغتال ...هكذا الشعر الامازيغي يزعزع الاستبداد..
ع.بوشطارت
تعليقات
إرسال تعليق